السبت، 28 يونيو 2014

قصيدة الوافر لأبو بكر الخوارزمي رحمة الله


قصيدة الوافر للعالم الجليل أبو بكر الخوارزمي رحمه الله:

أيدري السيف أيَّ فتىً يبيدُ … وأيَّة غايةٍ أضحى يريدُ
لقد صادت يدُ الأيام طيراً … تضيق به حباله من يصيدُ
وأصبح في الصعيد أبو سعيدٍ … ألا إن الصعيد به سعيد
وقد كانت تضيق الأرض عنه … فلِم وسعت لجثَّته اللحودُ
بلى مسَّ الثرى قلباً رحيباً … فأعدى الترب فاتّسع الصعيدُ
فلا ادري أأضحك أم ابكي … وتهدمني المنيَّةُ أو تشيدُ
صديقٌ فقد فقدناه قديمٌ … وثكل قد وجدن جديدُ
مصابٌ وهو عند الناس نُعمى … ونحسٌ وهو عند الناس عيدُ
تهنيني الأنام به ولكن … تعزيني المواثق والعهودُ
وسيفٌ قد ضربت به مراراً … فمن ضرباته بي لي شهودُ
فلما أن تفلّل ظِلتُ أبكي … وعندي منه فعد دمٌ جسيدُ
ومن عجب الليالي أنّ خصمي … يبيد وأن حزني لا يبيدُ
وأن النصف من عيني جمودٌ … وإن النصف من قلبي جليدُ
إذا سفحت عليه دموع عيني … نهاها الهجر منه والصدودُ
وآثارٌ له عندي قباحٌ …  يجمّش بينها الرأس الحديدُ
فنصفٌ من مدامعها سخينٌ …   ونصفٌ من مدامعها برودُ
فمن هذا رأى في الناس مثلي … أريد من المنى ما لا أريدُ
ومن نكد المنيةِ فقد حرّ … تخالف فيه إخواني الشهودُ
فذا هنّى وقال مضى عدوٍّ … وذا عزَّى وقال مضى وديدُ
رأيت العقل ينفع وهو قَصدٌ … ويلقي في المهالك إذ يزيدُ
كمثل الدرع إن خفّت أجنَّت … وإنَّ ثقلت فحاملها جهيدُ
ومثل الماء يروي منه قصدٌ … ويقتل منه بالغرق المزيدُ
شهدت بأنَّ دهراً عشت فيه … ومتُّ مقيَّداً فرداً مبيدُ
وقالوا البحر جزرٌ ثم مدٌّ … فمالك قد جزرت ولا تعودُ
بكيت عليك بالعين التي لم … تزل من سوء فعلك بي تجودُ
فقد أبكيتني حيّاً وميتاً … فقل لي أيُّ فعليك الرشيدُ
فها أنا ذا المهنأ والمعزّى … وها آنا ذا المباغض والودودُ
وها أنا ذا المصاب بك المعافى … وها أنا ذا الشقيُّ بك السعيدُ
لقد غادرتني في كلِّ حالٍ … أذمُّ الدهر فيك وأستزيدُ
فلا يومٌ تموت به مجيدٌ … ولا يومٌ تعيش به حميدُ
وما أصبحت إلا مثل ضرسٍ …  تأكَّل فهو موجودٌ فقيدُ
ففي تركي له داءٌ دويٌّ … وفي قلعي له ألمٌ شديدُ
فلا تبعد إقامة رسم حقٍ … وأنَّك أنت للشيء البعيدُ
وإنك أنت للسيف الحديد … وإنك أنت للعلم السديدُ
وإنك أنت الدنيا جميعاً … ولكن ليس للدنيا خلودُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق